لا يعجبنّك من يصون ثيابه ** حذر الغبار وعرضه مبذول
فلربما افتقر الفتى فرأيته ** دنس الثياب وعرضه مغسول
إِذا الحادِثاتُ بَلَغنَ المَدى ** وَكادَت لَهُنَّ تَذوبُ المُهج
وَحَلَّ البَلاءُ وَقَلَّ الوَفا ** فعِندَ التَّناهي يَكونُ الفَرج
إذا جَارَيْتَ في خُلُـقٍ دَنِيئاً ** فأنتَ ومنْ تجارِيه سواءُ
رأيتُ الحــرَّ يجتنبُ المخازي ** ويَحْمِيهِ عنِ الغَـدْرِ الوَفاءُ
وما مِـنْ شِدَّة إلاَّ سَيأْتي ** لَها مِنْ بعدِ شِدَّتها رَخاءُ
لقد جَرَّبْتُ هذا الـدَّهْرَ حتَّى** أفَـادَتْني التَّجَـارِبُ والعَنـاءُ
إذا ما رأسُ أهلِ البيتِ ولـى ** بَدا لهمُ مِنَ الناسِ الجَفـــاءُ
يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍ ** ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ
فـلا واللهِ ما في العيشِ خيــرٌ ** ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ
إذا لم تخـشَ عاقبة َالليـالي ***ولمْ تستَحْـــي فـافعَلْ ما تَشاءُ
لئيـمُ الفعلِ من قـومٍ كرامٍ *** لهُ مِنْ بينهـــمْ أبداً عُوَاءُ
لعمرك ما أهويت كفي لريبة ** ولا حملتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها ** ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
ولست بماشٍ ماحييت لمنكر ** من الأمر لا يمشي إلى مثله مثلي
ولا مؤثر نفسي على ذي قرابة ** وأوثر ضيفي ما أقام على أهلي
وأعلم أني لم تصبني مصيبة ** من الدهر إلا قد أصابت فتى قبلي
وَمِن نَكَدِ الدُنيا عَلى الحُرِّ أَن يَرى ** عَدُوّاً لَهُ ما مِن صَداقَتِهِ بُدُّ
وَمَن يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَريضٍ ** يَجِد مُرّاً بِهِ الماءَ الزُلالا
وَمَنْ يَرم الذُّبابَ بمنجنيقٍ ** سَيَخْسَرَ سَهْمَه وقتَ النضالِ
وَمَنْ طَلَبَ العُلومَ بغيرِ كَدٍّ ** سَيُدْرِكُها إذا شَابَ الغرابُ
أهلكتَ نفسكَ يا ظلومُ ** بما ادخرتَ من المظالمْ
أظننتَ أن المالَ لا ** يفنى وأن الملكَ دائمْ
هيهاتَ أنتَ وما جمع ** تَ كلاكُما أحلامُ نائمْ
تفنى ويفنى والذي ** يبقى الخطايا والمآثمْ
فلا تعجلْ على أحدٍ بظلمٍ ** فإِن الظلمَ مرتعُهُ وخيمُ
ولا تفحشْ وإِن مليت غيظاً ** على أحدٍ فإِن الفحشَ لومُ
ولا تقطعْ أخا لكَ عند ذنبٍ ** وإِن الذنبَ يغفرهُ الكريمُ
ولكن دارِ عوراهُ برفقٍ ** كما قد يرقعُ الخَلَقُ القديمُ
ولا تجزعْ لريبِ الدهرِ واصبرْ ** فإِن الصبرَ في العُقْبى سليمُ
فما جزعٌ بمغنٍ عنك شيئاً ** ولا مافاتَ ترجعُهُ الهمومُ
توكّل على الرحمنِ في الأمرِ كلِه ** ولا ترغبنْ في العجزِ يوماً عن الطلبْ
الم ترَ أنّ اللهَ قالَ لمريم ** وَهُزّي إليكِ الجذعَ يسّاقط الرطبْ
ولو شاءَ أن تجنيهِ من غيرِ هَزّهِ ** جنته , ولكنْ كل رزقٍ له سببْ
يا أَيُّها الرَجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ ** هَلا لِنَفسِكَ كانَ ذا التَعليمُ
تَصِفُ الدَّواءَ لِذي السَّقامِ وَذي الضَّنا ** كيما يَصحّ بِهِ وَأَنتَ سَقيمُ
وَتَراكَ تُصلِحُ بالرشادِ عُقولَنا ** أَبَداً وَأَنتَ مِن الرَّشادِ عَديمُ
فابدأ بِنَفسِكَ فانهَها عَن غَيِّها ** فَإِذا اِنتَهَت عَنهُ فأنتَ حَكيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تَقولُ وَيَهتَدي ** بِالقَولِ منك وَينفَعُ التعليمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتأتيَ مِثلَهُ ** عارٌ عَلَيكَ إِذا فعلتَ عَظيمُ
الناس شتى إذا ما أنت ذقتهم ** لا يستوون كما لا يستوي الشجر
هذا له ثمر حلو مذاقته ** وذاك ليس له طعم ولا ثمر
قالوا سكتُّ وقد خوصمتُ قلتُ لهم * إنَّ الجوابَ لبابِ الشرِّ مفتاحُ
والصمَّتُ عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرفُ * وفيه أيضاً لصونِ العرضِ إصلاحُ
أما تَرَى الأُسْدَ تُخْشى وهْي صَامِتةً ؟ * والكلبُ يخسى لعمري وهو نباحُ
مازح صديقك إن أراد مزاحا ** فإذا أباه فلا تزده جماحا
فلربما مزح الصديق بمزحةٍ ** كانت لبدء عداوةٍ مفتاحا
لا شَيْءَ فِي الدُّنْيا أَحَبُّ لِنَاظِرِي * مِنْ مَنْظَرِ الخِلاَّنِ والأَصْحَابِ
وأَلَذُّ مُوسِيقَى تَسُرُّ مَسَامِعِي * صَوْتُ البَشِيرِ بِعَوْدَةِ الأَحْبَابِ
من كان فوق محل الشمس موضعهُ ** فليس يرفعه شئٌ ولا يضــعُ
ان السلاح جميع الناس تحملهٌ ** وليس كلٌ ذواتِ المخلب السبعُ
إني شكرت لظالمي ظلمى ** وغفرت ذاك له على علمي
ورأيته أسدى إلي يداً ** لما أبان بجهله حلمي
رجعت إسائته عليه وإحساني ** فعاد مضاعف الجرم
كَمْ تَغُرّ الدّنْيا وَكَمْ يَجِدُ الـ ** الإنسانُ فيها شيئاً ويُحرمُ شيئا
تَنشُرُ الحادِثاتُ طَوْراً وَتَطوي ** إنّما الحادِثاتُ نَشْراً وَطَيّبَا
وطباعُ الأسنانِ مختلفاتٌ رُبَّ ** وعْرِ الأخلاقِ سهلُ المُحيَّا
أيّها المُبصِرُ الصّحيحُ السّميعُ ** أنْتَ باللّهْوِ وَالهَوَى مَخدوعُ
كيفَ يَعْمَى عنِ السبيلِ بَصيرٌ ** عَجَباً ذا، أوْ يَستَصِمّ سَميعُ
مَا لَنا نستَطِيعُ أنْ نجمعَ المَا ** لَ، وَرَدَّ المَماتِ لا نَستَطيعُ
نَجْمعُ الفَانِي والقَليلَ منَ المَا ** لِ ونَنْسَى الَّذِي إليهِ الرُّجُوعُ
لا تحسبن سرورا دائما أبدا * من سره زمن ساءته أزمان
وكل كسر فإن الدين يجبره * وما لكسر قناة الدين جبران
وَرُبَّ أَخٍ وَفَيْتُ لهُ وَفِيٍّ * و لكن لا يدومُ له وفاءُ
أَخِلاَّءٌ إذا استَغْنَيْتُ عَنْهُمْ * وأَعداءٌ إذا نَزَلَ البَلاَءُ
يديمونَ المودة ما رأوني * و يبقى الودُّ ما بقيَ اللقاءُ
و ان غنيت عن أحد قلاني * وَعَاقَبَنِي بمِا فيهِ اكتِفَاءُ
سَيُغْنِيْنِي الَّذي أَغْنَاهُ عَنِّي * فَلاَ فَقْرٌ يَدُومُ وَلاَ ثَرَاءُ
يارب إن عظمت ذنوبي كثرةً ** فلقد علمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسنٌ ** فبمن يلوذ ويستجير المجرم
أدعوك ربي كما أمرت تضرعاً ** فإن رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا ** وجميل عفوك ثم إني مسلم
العلم زين وخير الناس يطلبه ** والجاهلون لأهل العلم أعداء
فعش بعلمٍ ولا تبغ به بدلاً ** الناس موتى وأهل العلم أحياء